تقديم المؤتمر

سراييفو، 19-20 أكتوبر 2024
الإطار العام للمؤتمر
في سياق التحديات الراهنة التي تعصف بالعالم العربي، يأتي مؤتمر “العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية”، الذي سيُعقد في العاصمة البوسنية سراييفو يومي 19 و20 أكتوبر 2024، كفرصة فريدة لتبادل الرؤى وتنسيق الجهود بين ثلة من خيرة المفكرين والسياسيين والناشطين العرب المدافعين عن الديمقراطية. يهدف هذا المؤتمر إلى صياغة ميثاق ديمقراطي عربي شامل، يكون بمثابة خارطة طريق تُرشد مساعي الشعوب العربية نحو أنظمة ديمقراطية حقيقية ومستدامة، تُحقق العدالة الاجتماعية، وتُعزز الحريات، وتواجه التحديات السياسية والاقتصادية الراهنة.
تأتي أهمية هذا المؤتمر في سياق سياسي عالمي وإقليمي مضطرب، حيث يشهد العالم العربي تراجعًا مقلقًا في الثقة بالديمقراطية، وتزايدًا في الاستبداد والشعبوية، بالاضافة إلى التداعيات الخطيرة لحرب الابادة المتواصلة على غزة، والتي تزامن انطلاقها مع انعقاد مؤتمرنا الأخير في سراييفو يومي 7 و8 أكتوبر من العام الماضي، وتتمدد اليوم مهددة بالتحول إلى حرب اقليمية شعواء. المؤتمر سيكون فرصة للتفكير الجماعي حول الأزمات الحالية الاقليمية منها والعالمية، والتي عمّقت الأزمة الديمقراطية في المنطقة وأظهرت بوضوح هشاشة الأنظمة الاستبدادية في مواجهة أزمات شاملة.
الحاجة إلى المؤتمر
يشهد العالم العربي اليوم أزمة ديمقراطية عميقة، حيث باتت الديمقراطية، في نظر شريحة كبيرة من شعوب المنطقة، مجرد أيديولوجيا غربية فاقدة للمصداقية. هذا التراجع في الثقة يعود إلى عدة عوامل، أبرزها تواطؤ بعض الأنظمة الغربية مع جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، مما زاد من تشويه صورة الديمقراطية لدى الشعوب العربية وأضعف إيمانها بجدواها كأداة لتحقيق العدالة والحرية. بالإضافة إلى ذلك، أدى غياب أنظمة ديمقراطية وطنية حقيقية في المنطقة إلى تفاقم الأزمات السياسية والاجتماعية، إذ لو كانت هذه الأنظمة موجودة، لكانت الشعوب قد اتخذت موقفًا حازمًا ضد هذه الجرائم، بدلاً من الاكتفاء بالمشاهدة السلبية والعجز عن التأثير.
في ظل هذه الأزمة، هناك إجماع بين الفاعلين السياسيين على أن الأنظمة الحالية تتدهور بشكل متسارع نحو الاستبداد والانهيار الشامل. هذا التدهور يعكس نفسه في الاحتقان المجتمعي والغضب الشعبي المتزايد، بالإضافة إلى الانهيار الاقتصادي الخطير الذي يهدد استقرار الدول. ورغم هذا الإجماع على تشخيص الوضع، إلا أن المعارضة تواجه تحديات كبيرة في تحويل هذا الوعي إلى خطط عمل واضحة ومشتركة تسهم في النضال من أجل إرساء حكم ديمقراطي حقيقي، وتحقيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية اللازمة. كما أن هناك حاجة ماسة إلى بناء الثقة بين النخب السياسية والحزبية من جهة، وبين المواطنين من جهة أخرى، لضمان أن يكون التغيير الديمقراطي شاملاً ومستداماً.
يأتي هذا المؤتمر استجابةً لهذه الحاجة الملحة لفهم أعمق للأوضاع الراهنة في المنطقة، والبحث عن حلول عملية لتعزيز الديمقراطية في العالم العربي. إن تصاعد الغضب الشعبي والاحتقان السياسي والاقتصادي يدفعنا إلى التفكير الجدي في حلول جذرية وعملية، خاصة في ظل ضعف المواقف الشعبية تجاه الأحداث الجارية، مقارنة بردود الفعل الأكثر وضوحًا وحزمًا لدى الشعوب الغربية. هذا الوضع يعكس بشكل جليّ حجم الدمار الذي خلفه الاستبداد في مجتمعاتنا، ويبرز الحاجة الماسة إلى إعادة بناء الديمقراطية من منظور يتناسب مع تطلعات شعوبنا للحرية والعدالة.
الأهداف المرجوة من المؤتمر
يهدف مؤتمر “العهد الديمقراطي العربي” إلى تحقيق عدة أهداف رئيسية، أبرزها:
1. صياغة ميثاق ديمقراطي عربي: يحدد المبادئ الأساسية للنظام الديمقراطي العربي، ويُقدم خارطة طريق واضحة لاستعادة وإرساء الديمقراطية في الوطن العربي ويقدم مواصفات النظام السياسي والاقتصادي الذي يمكّن الديمقراطية ويحميها. هذا الميثاق سيتناول محاور تتعلق بالحريات العامة، وسيادة القانون، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية.
2. تعزيز الربط بين الديمقراطية والتحرر الوطني: من خلال إعادة تعريف الديمقراطية في العالم العربي، بعيدًا عن كونها أيديولوجيا غربية، وربطها بمطالب التحرر الوطني والخروج من التبعية، ما يعزز مشروع الديمقراطية كقضية تحررية بقدر ما هي قضية سياسية.
3. طرح سياسات اقتصادية واجتماعية تدمج بين الحرية والعدالة: بحيث تكون الحرية في خدمة العدالة الاجتماعية، والعدالة الاجتماعية في خدمة الحرية. يهدف المؤتمر إلى تقديم نموذج متوازن للديمقراطية يحميها من الوقوع في أيدي القوى المعادية للديمقراطية.
4. تفعيل بناء شبكة الديمقراطيين العرب: التي انبثقت عن ”إعلان سراييفو“ الصادر في ختام مؤتمر ”التحول الديمقراطي في العالم العربي“ الذي عقده المجلس العربي يومي 7 و8 أكتوبر 2023. وتطوير دورها في التنسيق بين الشعوب العربية الحرة وتُعزز التعاون الديمقراطي في المنطقة، بالإضافة إلى ربط هذه الشبكة بشبكات ديمقراطية عالمية.

المشاركين في المؤتمر
يشارك في المؤتمر نخبة من المفكرين والسياسيين والناشطين العرب المدافعين عن الديمقراطية، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات المجتمع المدني، الأحزاب السياسية، الجمعيات، والمنظمات الحقوقية العربية والدولية. يشكل هذا المؤتمر فرصة للتفاعل المباشر بين مختلف الفاعلين السياسيين والفكريين في العالم العربي، كما سيتيح فرصة للاستفادة من تجارب دولية ناجحة في مجالات التحول الديمقراطي.
الأسئلة التي ستطرح في المؤتمر
سيعمل المؤتمر على مناقشة مجموعة من الأسئلة الجوهرية المتعلقة بواقع ومستقبل الديمقراطية في العالم العربي، من أبرزها:
• كيف يمكن إعادة بناء الثقة في الديمقراطية؟ خاصة في ظل فقدان الشعوب الثقة في الأنظمة السياسية القائمة، واعتبار الديمقراطية أداة غربية فاقدة للمصداقية.
• ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه النخب السياسية والمجتمع المدني في تعزيز الديمقراطية؟ وكيف يمكن لهذه الفئات أن تكون حافزاً للتغيير الديمقراطي الحقيقي؟
• كيف يمكن حماية الديمقراطية من استغلال آلياتها من قبل القوى المعادية للديمقراطية؟ وما هي الآليات التي يمكن تبنيها لضمان نزاهة وشفافية الانتخابات وعدم استغلالها من قبل الأنظمة الاستبدادية؟
• كيف يمكن بناء شبكة ديمقراطية عربية تتجاوز الحدود القطرية؟ وما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه الشبكة في بناء اتحاد للشعوب العربية الحرة؟
• ما هي السياسات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لضمان توازن بين الحرية والعدالة الاجتماعية؟ وكيف يمكن تجاوز الفهم الليبرالي الغربي للديمقراطية الذي يركز على الحرية دون تحقيق العدالة؟
سيتم طرح هذه الأسئلة وغيرها ضمن أربع ورشات رئيسية تهدف إلى تعميق النقاش حول محاور فكرية، اقتصادية، حقوقية، وهيكلية شبابية، لتكون بمثابة أرضية خصبة لصياغة رؤية شاملة ومتعددة الأبعاد عن الديمقراطية في العالم العربي. تتناول هذه الورشات مجالات مختلفة، تلتقي جميعها حول هدف واحد وهو بناء ديمقراطية عربية تنبثق من خصوصيات شعوبنا وتستجيب لتطلعاتها في التحرر والعدالة. فيما يلي تقديم لكل ورشة من الورشات:
1. الورشة الفكرية السياسية
تتناول هذه الورشة موضوع الخطاب السياسي والديمقراطي في العالم العربي، خاصة في هذه الفترة التي لم يعد فيها الخطاب العقلاني كافياً وحده. علينا الآن أن نتوجه إلى القلوب الجريحة، لتجاوز الفكرة الرائجة بأن الديمقراطية مجرد أيديولوجيا غربية فقدت مصداقيتها بسبب السياسات الدولية. سيكون التركيز هنا على كيفية فصل الديمقراطية عن الصورة السلبية المرتبطة بها في أذهان الشعوب العربية، وربطها بالمطالب الوطنية والقومية والدينية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من الوعي الجماعي. ستسعى هذه الورشة إلى صياغة خطاب جديد يربط بين الديمقراطية والتحرر الوطني، ويواصل المسار التحرري الذي ساد تاريخنا في مواجهة كل أشكال الاستبداد والتبعية.
2. الورشة الاقتصادية الاجتماعية
في هذه الورشة، سيتم تسليط الضوء على الفجوة الكبيرة التي خلقتها القراءة الليبرالية الغربية للديمقراطية، حيث تم التركيز على الحرية كمطلب رئيسي، وتجاهل أو تهميش مطلب العدالة الاجتماعية. هذا التركيز الأحادي على الحرية سمح للنظم الاستبدادية والشعبوية بالتسلل واستغلال هذه الثغرة لفرض سيطرتها. ستناقش الورشة كيفية بناء خطاب ديمقراطي جديد يحقق التوازن بين الحرية والعدالة الاجتماعية، بحيث تكون الحرية في خدمة العدالة الاجتماعية والعكس بالعكس. وستطرح الورشة رؤية عملية لتطوير سياسات تجعل من الديمقراطية أداة لتحقيق المساواة الاقتصادية والاجتماعية جنبًا إلى جنب مع الحرية السياسية.
3. الورشة القانونية الحقوقية
تركز هذه الورشة على معالجة أزمة الثقة التي تعاني منها الديمقراطية في المنطقة العربية وفي العالم عمومًا. يعود تراجع الثقة إلى عاملين أساسيين: الأول هو استيلاء النخب الأرستقراطية على آليات الديمقراطية مثل حرية الرأي والتنظيم، والثاني هو قدرة هذه القوى على التحكم في نتائج الانتخابات لإيصال قوى معادية للديمقراطية إلى السلطة. ستناقش الورشة سبل حماية الديمقراطية من استغلال آلياتها، وكيف يمكن تطوير هذه الآليات لضمان عدم سقوطها في أيدي أعداء الديمقراطية. الهدف من الورشة هو تقديم حلول مبتكرة تضمن نزاهة العملية الديمقراطية وتحصينها من الانتهاكات.
4. الورشة الهيكلية الشبابية
لأن الشباب هم ركيزة المستقبل وأمل التغيير، تخصص هذه الورشة لمناقشة الدور المحوري للشباب في بناء الديمقراطية العربية. ستبحث الورشة في كيفية بناء شبكة ديمقراطية عربية موحدة، تدعم التفكير المشترك والتعاون المتبادل بين الشباب في مختلف الدول العربية. كما ستتناول الورشة كيفية إدارة وتنمية هذه الشبكة وربطها بالشبكات الديمقراطية العالمية التي ستجتمع في بريتوريا في نوفمبر المقبل. ستكون هذه الورشة بمثابة منصة لتبادل الخبرات والأفكار حول كيفية إشراك الشباب في العملية الديمقراطية، وإعدادهم للعب أدوار قيادية في بناء دول القانون والمؤسسات.
ستكون هذه الورشات بمثابة محرك رئيسي للنقاش والتخطيط نحو مستقبل ديمقراطي عربي أكثر إشراقًا، وستوفر منصة لتبادل الأفكار بين مختلف الفاعلين السياسيين والمجتمعيين من أجل تحقيق التحول الديمقراطي الحقيقي في المنطقة.
المخرجات المأمولة
من المتوقع أن يسفر المؤتمر عن عدة مخرجات مهمة، أبرزها:
1. ميثاق العهد الديمقراطي العربي: الذي سيتضمن مبادئ واضحة حول الحريات العامة، والعدالة الاجتماعية، وسيادة القانون، والمواطنة. سيكون هذا الميثاق بمثابة خارطة طريق لاستعادة وإرساء الديمقراطية في الوطن العربي ويقدم مواصفات النظام السياسي والاقتصادي الذي يمكّن الديمقراطية ويحميها.
2. الاعلان عن تفعيل الشبكة الديمقراطية العربية: التي تمت الدعوة لتأسيسها في مؤتمر سراييفو الذي عقده المجلس العربي في اكتوبر من السنة الماضية، وتجمع نخب سياسية وفكرية من مختلف الدول العربية، تعمل على التنسيق المشترك لدعم التحول الديمقراطي في المنطقة.
3. توصيات عملية: تتعلق بآليات تحقيق التحول الديمقراطي في العالم العربي، وكيفية بناء أنظمة سياسية تضمن الحريات وتحقق العدالة الاجتماعية. وتطوير نظم سياسية وانتخابية شفافة وعادلة لسد الثغرات التي تستغلها الأنظمة الاستبدادية ولحماية الديمقراطية من استغلال آلياتها.
4. خطط عمل مستقبلية: تتضمن خطوات محددة للعمل المشترك بين الشبكة الديمقراطية العربية والقوى الفاعلة المدافعة عن المشروع الديمقراطي في المنطقة وفي العالم لدعم التحول الديمقراطي.
يأتي هذا المؤتمر كخطوة نحو بناء مستقبل أفضل للعالم العربي، من خلال تعزيز قيم الديمقراطية، وسيادة القانون، والمواطنة، والعدالة الاجتماعية.